معروف إن كل ما يخاطب النفس والوجدان، لابد وأن يكون راقياً، إنسانيا ورائعاً، يندرج تحت التصنيف الواسع لكلمة "الفن".
فكما هو معروف ومتفق عليه بأن الفن " غذاء" الروح بالطبع، معه يُحّلق الإنسان و يسمو بنفسه و يجردها من شوائب الماديات.
و هذا المفهوم نفسه ينطبق تماماً على "الأكل"، فيمكن أن نرتقي "بالأكل" لنصل به للمفهوم الإنساني الرائع "الفن".
خبراء التغذية و أيضاً علماء النفس يحددون وبدقة كيفية وأهمية التعامل مع الطعام، فماذا يقولون؟
يوضحون بأن الطعام وطريقة الأكل والدوافع إليها لابد وأن ترتقي بالإنسان، بداية لابد من تهيئة النفس لأوقات الطعام المناسبة، فحذف الإفطار الصباحي يؤدى إلى ارتباك اليوم كله، ويؤكدون على أهمية هذه الوجبة التي تتحكم في مزاجيات الإنسان طوال اليوم.
فلابد أولاً من الانتهاء من المراسم الصباحية التي تشكل ساعة الذروة بالنسبة للعائلة، بعدها لابد وأن تكون هناك مساحة من الوقت معها يجتمع كل أفراد العائلة لتناول الإفطار، معه يعرض كل فرد برنامجه اليومي، هنا فقط تكون وجبة الإفطار وصلت من مجرد شرائح الخبز والحبوب بالحليب وقداح الشاي أو القهوة، إلى مرحلة إنسانية عالية عملت على تجميع الأسرة حول مائدة واحدة والتقارب النفسي فيما بينهم عندما يلقون الضوء على برنامجهم اليومي.
و كذلك لابد وأن يتكرر مع كل الوجبات أثناء اليوم، حتى وإن كانت الوجبة الرئيسية – كما يحدث في كثير من بلدان العالم- هي العشاء، فله طقوسه الخاصة جداً، فهي وجبة تأتى بعد يوم منهك سريع، فلم لا نجعلها الوجبة التي معها يسترخي الإنسان وسط أجواء جميلة وخلفية موسيقية ربما تساعده على المزيد من تذوق الطعام، يتخللها حديث يلخص اليوم كله، هنا فقط يكون الأكل خرج من مفهوم الحس الذي يخاطب المعدة إلى مفهوم أكثر رقياً هو "الفن".
وإذا كنا قد أوضحنا كيفية تحويل الأكل إلى "فن الأكل" فهناك أيضاً العديد من السلبيات لابد وأن نبتعد عنها تماماً أثناء التعامل مع الأكل أو حتى مع التسوق الخاص بقائمة الطعام.
من هذه السلبيات أن يحمل كل فرد من أفراد العائلة وجبة سريعة في طريق عودته من العمل أو الجامعة، وينفرد بها داخل حجرته وعلى أذنيه الموبايل، فيأكل ويأكل ويأكل دونما وعي واضعاً العلاقات الأسرية في آخر اعتباراته، فهذا السلوك المنفرد بعلبة كرتونية تطيح بالأسرة كلها.
كذلك لابد من الابتعاد عن تناول الطعام خلال نوبة عصبية حادة، فيصعب السيطرة على وضع نهاية له، و النتيجة معروفة ..بدانة، عسر هضم، مزاجيات رمادية وتأنيب ضمير.
إذا استثنينا هذه السلبيات وغيرها الكثير، نكون قد حولنا الأكل لمعزوفة جميلة هي الفن بعينه.